في العقود الأخيرة، تناول المسلمون الجوانب السياسية والاجتماعية للتعاليم الدينية بطرق مختلفة، وترتبط المناقشات الدينية بل وتنبع أحيانا في جزء كبير منها من الاتجاهات السياسية والاجتماعية الكامنة وراء التحولات الديمغرافية، والمتمثلة في ارتفاع مستوى التعليم والحكم السلطوي غير المسئول، والأداء الحكومي والاقتصادي المتعثر، والفساد. ومع ذلك، لا يمكن أن ينحصر الأمر في هذه الاتجاهات، فالدين ليس بمعزل عن هذه القضايا، ولكنه ببساطة ليس مجرد قناع لصراعات أخرى، حيث تعتبر شروط ونتائج المناقشات الدينية في حد ذاتها أمراً بالغ الأهمية.
هذا هو بالضبط السبب في أن هذه المناقشات تحظى باهتمام متزايد، ليس فقط من المسلمين أصحاب الشأن فيها، ولكن أيضا من غير المسلمين في المجتمعات السياسية المختلفة. فعلى وجه الخصوص، هناك قلق متصاعد في الدوائر الأمنية أن الأفراد والحركات الراديكالية، والذين يستخدمون مصطلحات إسلامية، يمثلون تهدد للأمن العالمي والإقليمي، من خلال الإرهاب والنشاط الثوري وغيره من أشكال العنف السياسي.
ويسعى هذا التقرير لتوضيح سبب حدوث هذه المناقشات؛ ولكن، فإن السعي لاستكشاف وشرح هذه المناقشات لا يعني أن الدول الغربية تحاول التدخل مباشرة، وبالرغم من أن نتائج هذه النقاشات الدينية تعد ذات اهمية بمكان؛ إلا أنه ينبغي على الحكومات الغربية ألا تكون طرفاً في تلك النقاشات، بل يعد من الأفضل تشجيع شركائها في المنطقة على التحرك في الاتجاهات، التي تسمح لتلك النقاشات بأن تتخذ أشكالا سلمية.
وإذا كان الهدف هو تلافي التطرف الديني، فيقع إذن على عاتق دول المنطقة دورا هاما لتقوم به، فيتعين على الحكومات الإقليمية في الشرق الأوسط منع تصدير العنف الديني والطائفي، ولتلك الدول أيضا كل الحق في حماية مواطنيها من ويلات الإرهاب، ففي الواقع، يعد هذا الأمر بمثابة واجب سيادي؛ ولكن ينبغي على هذه الدول القيام بهذه المهمة من خلال تعزيز سيادة القانون وتوسيع شرعيتها، بدلا من تقويضها. فالإجراءات قصيرة الأجل، مثل تضييق الخناق على قوى المعارضة وتحويل الفضاء الديني إلى فضاء أمني وإقناع كبار رجال الدين لدعم السياسة الرسمية، غالبا ما تأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل.
وهناك دعوات دورية للحكومات الغربية للعثور على الفاعلين الدينين المناسبين للتشارك معهم ولدعمهم؛ وأحيانا، تتواجد شخصيات أو رموز دينية يتم النظر إليها كنموذج إيجابي، ومن ثم يتوجب على السياسات الغربية دعمها، ولكن كاتبا التقرير يدفعون ضد هذا التوجه. فعلى العكس من ذلك، ينبغي على الحكومات الغربية تجنب الوقوع في فخ المصطلحات التي تشير إلى وجود صراع ديني أو حضاري من الأساس، فالقضايا الدينية حساسة وتحتاج إلى الفهم، ولكن ليس لدى الحكومات الغربية الأدوات اللازمة لمعالجتها مباشرة؛ فمحاولة العثور على الفاعلين المناسبين للمشاركة (مع الإرتباط معهم في كثير من الأحيان كتعبير عن الدعم) من المرجح أن يورط الحكومات الغربية، ليس فقط في الخلافات الدينية والتي ليس لديهم أي دور فيها، ولكن أيضا في الصراعات السياسية الحزبية والتي لا يفهمونها بالكامل.
إن الحياد الإيجابي تجاه الدين لا ينبغي أن يؤدي إلى الجهل، المطلوب هو فهم أكثر تطوراً للقضايا الدينية، للوصول إلى النهج السياسي والأمني الأكثر ملائمةً وبالتالي تشجيعه. ومع ذلك، لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه خطوة نحو الموافقة على أية نظرية لاهوتية فقهية أو موقف ديني، أو نحو اختيار ممثلين معينين لتنفيذ وتعزيز الرسالة التي تتماشى مع السياسة الخارجية والأولويات الأمنية الحالية. ورغم أنه لا يمكن إنكار العلاقة بين المخاوف الأمنية والنقاشات الدينية الإسلامية، يهدف المؤلفين لإظهار أن التركيز بدقة على العلاقة المتصورة بين الدين والإرهاب، والاستراتيجية المتبعة من قبل غير المسلمين للتدخل في المناقشات الدينية من أجل مكافحة الإرهاب، سيكون سطحي جداً وغير فعال.